فصل: شروع

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


شروع

التّعريف

1 - الشّروع مصدر شرع‏.‏ يقال‏:‏ شرعت في الأمر أشرع شروعاً، أخذت فيه، وشرعت في الماء شروعاً شربت بكفّيك أو دخلت فيه، وشرعت المال - أي الإبل - أشرعه‏:‏ أوردته الشّريعة، وشرع الباب إلى الطّابق شروعاً‏:‏ اتّصل به، وطريق شارع يسلكه النّاس عامّةً، وأشرعت الجناح إلى الطّريق‏:‏ وضعته‏.‏

ومنه‏:‏ شرع اللّه الدّين، أي سنّه وبيّنه، ومنه الشّريعة وهي ما شرعه اللّه لعباده من العقائد والأحكام‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن معناه اللّغويّ‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالشّروع

الشّروع في العبادات

2 - اتّفق الفقهاء على أنّ الشّروع في العبادات يتحقّق بالفعل مقروناً بالنّيّة حقيقةً أو حكماً بحسب كلّ عبادة، فعلى سبيل المثال يكون الشّروع في الصّلاة بتكبيرة الإحرام مقرونةً بالنّيّة، والصّوم يكون الشّروع فيه بالنّيّة والإمساك‏.‏

‏(‏انظر مصطلح‏:‏ عبادة، نيّة، صلاة، صوم، حجّ، جهاد، ذكر‏)‏‏.‏

الشّروع في المعاملات

3 - يتحقّق الشّروع في المعاملات‏:‏ بالقول، أو ما يقوم مقامه وينوب عنه من‏:‏ المعاطاة عند من يقول بها، أو الكتابة، أو الإشارة‏.‏

ولا تعدّ النّيّة هنا شروعاً في البيع، أو النّكاح، أو الإجارة، أو الهبة، أو الوقف، أو الوصيّة، أو العاريّة، أو غيرها من أصناف المعاملات، لأنّنا لا نعلم القصد المنويّ‏.‏ فهذه المعاملات مبنيّة على الإيجاب والقبول، فإيجاب الموجب بقوله‏:‏ ‏"‏ بعتك كذا وكذا ‏"‏ شروع في البيع، فإذا قبل البائع هذا الإيجاب تمّ البيع‏.‏

الشّروع في الجنايات

4 - يتحقّق الشّروع في الجنايات والحدود‏:‏ بالفعل لا بالقول، ولا بالنّيّة‏.‏

ما يجب إتمامه بالشّروع

4 م - ما أوجبه اللّه - سبحانه وتعالى - على المكلّف، إذا شرع فيه وجب عليه إتمامه باتّفاق، ولا يجوز له قطعه أو الانصراف عنه إلاّ بعد إتمامه‏.‏

ويستثنى من ذلك حالة الضّرورة الّتي تمنع من إتمامه، كأن ينتقض وضوء المصلّي، أو يغمى عليه، أو تحيض المرأة أثناء الصّلاة، أو غير ذلك ممّا يعوق المكلّف عن الإتمام‏.‏

انظر مصطلح ‏(‏استئناف، حيض، صلاة‏)‏‏.‏

ومثل الصّلاة كلّ مفروض من‏:‏ صيام أو زكاة، أو حجّ، إذا شرع فيه وجب إتمامه، ويأثم بتركه، وقد يجلب عليه العقاب في الدّنيا، كالكفّارة لمن أفطر متعمّداً في رمضان بدون عذر، ولزوم الهدي لمن أفسد حجّه أو عمرته، وإعادتهما في العام القابل أمر لازم متعلّق بذمّته‏.‏

قال الزّركشيّ‏:‏ أمّا الشّارع في فرض الكفاية، إذا أراد قطعه فإن كان يلزم من قطعه بطلان ما مضى من الفعل حرم كصلاة الجنازة، وإلاّ فإن لم تفت بقطعه المصلحة المقصودة للشّارع، بل حصلت بتمامها، كما إذا شرع في إنقاذ غريق ثمّ حضر آخر لإنقاذه جاز قطعاً‏.‏

نعم ذكروا في اللّقيط أنّ من التقط ليس له نقله إلى غيره، وإن حصل المقصود، لكن لا على التّمام، والأصحّ أنّ له القطع أيضاً، كالمصلّي في جماعة ينفرد، وإن قلنا الجماعة فرض كفاية، والشّارع في العلم فإنّ قطعه له لا يجب به بطلان ما عرفه أوّلاً، لأنّ بعضه لا يرتبط ببعض، وفرض الكفاية قائم بغيره، فالصّور ثلاثة‏:‏

قطع يبطل الماضي فيبطل قطعاً، وقطع لا يبطله ولا يفوّت الشّاهد فيجوز قطعاً، وقطع لا يبطل أصل المقصود، ولكن يبطل أمراً مقصوداً على الجملة، ففيه خلاف‏.‏

قال الفتوحيّ من الحنابلة‏:‏ يتعيّن فرض الكفاية بالشّروع فيه، ويجب إتمامه على الأظهر ويؤخذ لزومه بالشّروع من مسألة حفظ القرآن، فإنّه يحرم ترك الحفظ بعد الشّروع فيه على الصّحيح من المذهب، وفي وجه يكره‏.‏

5- أمّا ما ندب إليه الشّارع من السّنن فإن كان حجّاً أو عمرةً وشرع فيهما وجب عليه الإتمام باتّفاق، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ‏}‏‏.‏ وإن كان غيرهما فإتمامه بعد الشّروع فيه محلّ خلاف‏:‏

فذهب الحنفيّة إلى أنّ من شرع في نفل لزمه إتمامه لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ‏}‏ فما أدّاه وجب صيانته وحفظه عن الإبطال، لأنّ العمل صار حقّاً للّه، ولا سبيل إلى حفظه إلاّ بالتزام الباقي، فوجب الإتمام ضرورةً‏.‏

فإن خرج منه بدون عذر، لزمه القضاء، وعليه الإثم، والعقاب على تركه، وإن خرج منه لعذر لزمه القضاء‏.‏ فأصبحت النّافلة عندهم واجباً بعد الشّروع‏.‏

وذهب المالكيّة إلى أنّ من خرج من النّفل بعذر، فلا قضاء عليه، ومن خرج من غير عذر، فعليه القضاء‏.‏

وذهب الشّافعيّة إلى أنّه إذا شرع في النّفل لم يلزمه المضيّ فيه، ولا يجب عليه القضاء إذا لم يتمّه، لأنّ النّفل لمّا شرع غير لازم قبل الشّروع، وجب أن يبقى كذلك بعد الشّروع، لأنّ حقيقة الشّرع لا تتغيّر بالشّروع ولو أتمّه صار مؤدّياً للنّفل، لا مسقطاً للوجوب‏.‏ أمّا لو شرع في صوم نفل فنذر إتمامه، لزمه على الصّحيح‏.‏

وذهب الحنابلة إلى أنّ من شرع في النّفل يستحبّ له البقاء فيه، وإن خرج منه لا إثم عليه، ولا يجب عليه القضاء‏.‏

6 - أمّا قراءة القرآن الكريم‏:‏ إذا شرع المكلّف فيها، فيكره قطعها لمكالمة النّاس، فلا ينبغي أن يؤثر كلامه على قراءة القرآن‏.‏

وقد ورد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما‏:‏ » أنّه كان إذا قرأ القرآن لم يتكلّم حتّى يفرغ منه«‏.‏

وأمّا الحائض والنّفساء فإنّهما إذا شرعتا في قراءة القرآن الكريم، ناسيةً إحداهما أنّها حائض، والأخرى أنّها نفساء، فلا يجب عليهما الاستمرار في القراءة، بل يجب عليهما القطع‏.‏

أمّا المستحاضة، ومن به عذر، كسلس البول وغيره، فإنّه إذا توضّأ أحدهما للصّلاة، فيجوز له أن يقرأ القرآن، فإذا شرع في قراءة متوضّئاً، فلا يقطع ندباً، ولا يجب عليه إتمام السّورة أو الحزب من القرآن الكريم‏.‏

أمّا إذا شرع المكلّف الّذي لا يمنعه مانع من قراءة القرآن الكريم، ثمّ ترك القراءة لضرورة طرأت عليه - كخروج ريح، أو حصر بول - فله عدم إتمام ما قرأ وينتهي إلى حيث يقف، وإذا تركه لا لضرورة، فلا عليه إلاّ أن يتخيّر الوقف، بانتهاء ما يتعلّق بما يقرأ، فلو كان يقرأ في قصّة موسى، أو هود أو أهل الكهف، فليتمّها ندباً حتّى لا يكون كلامه مبتوراً، وحتّى تكتمل في رأسه الموعظة‏.‏

أمّا إذا شرع في غير قراءة القرآن الكريم - كورد من الأوراد، أو ما يسمّى بالذّكر الجماعيّ أو الفرديّ - فلا يطالب بإتمامه، لأنّه غير ملزم به‏.‏

7 - وأمّا المباح‏:‏ إذا شرع فيه المكلّف فإتمامه وعدمه سواء، لأنّ اللّه - سبحانه وتعالى - خيّر المكلّف بين فعله وتركه‏.‏

الشّروع في العقود

أوّلاً‏:‏ عقد البيع‏:‏

8 - البيع إيجاب وقبول، فإن حصل الإيجاب كان شروعاً في البيع، فإن وافقه القبول كان إتماماً للبيع‏.‏ فإن رجع الموجب في إيجابه، قبل صدور القبول، يكون رجوعاً عن الشّروع في البيع فإن صدر القبول قبل عود الموجب تمّ البيع‏.‏

انظر مصطلح ‏(‏إيجاب، وبيع‏)‏‏.‏

ثانياً‏:‏ الهبة‏:‏

9 - يكون الشّروع في الهبة بلفظ‏:‏ وهبت، وأعطيت، ونحلت، ولا تتمّ إلاّ بالقبض عند جمهور الفقهاء ولا تلزم بالشّروع‏.‏

وانظر مصطلح ‏(‏هبة‏)‏‏.‏

ثالثاً‏:‏ الوقف‏:‏

10 - الشّروع في الوقف يكون بلفظ‏:‏ وقفت، وحبست، فمن أتى بكلمة منهما، كان شارعاً في الوقف، ولزمه لعدم احتمال غيرهما عند جمهور الفقهاء‏.‏

وذهب أبو حنيفة‏:‏ إلى أنّ الوقف لا يلزم بمجرّده، وللواقف الرّجوع فيه، إلاّ أن يوصي به بعد موته فيلزم، أو يحكم بلزومه حاكم‏.‏

وخالفه صاحباه، فقالا بلزومه، وأنّه ينقل الملك، ولا يقف لزومه على القبض‏.‏

وقال أبو حنيفة، وهو رواية عن أحمد‏:‏ إنّه لا يلزم إلاّ بالقبض، وإخراج الوقف له عن يده‏.‏ انظر مصطلح ‏(‏وقف‏)‏‏.‏

رابعاً‏:‏ الوصيّة‏:‏

11 - الشّروع في الوصيّة يقع بالقول أو الكتابة، كأن يوصي لشخص معيّن أو غير معيّن وتتمّ ويلزم بقبول الموصى له المعيّن بعد وفاة الموصي‏.‏

انظر مصطلح ‏(‏وصيّة‏)‏‏.‏

خامساً‏:‏ العاريّة‏:‏

12 - يكون الشّروع فيها كسائر العقود المنضبطة بالإيجاب والقبول، فيكون الإيجاب بقوله‏:‏ أعرتك كذا شروعاً في الإعارة، ويكون القبول فيها إتماماً لعقد العاريّة، فبه يتمّ العقد، ولكلّ من المعير والمستعير الرّجوع قبل صدور القبول، وقبل القبض أيضاً برفض أخذها، وله الرّجوع بعد ذلك لأنّها عقد جائز من الطّرفين عند الجمهور‏.‏

‏(‏ر‏:‏ إعارة‏)‏‏.‏

الشّروع بدون إذن فيما يحتاج إلى إذن

13 - الشّروع في العبادات المفروضة لا يحتاج إلى إذن، إذ إنّ فرضيّتها على المكلّفين لا يقتضي إذناً من أحد‏.‏

أمّا العبادات غير المفروضة، والمعاملات، فقد أوجب الشّارع الإذن فيها لحقّ من له الحقّ على المكلّف، كحقّ الزّوج على زوجته، وحقّ الوليّ على الصّغير والسّفيه‏.‏

فأعطى للزّوج أن تستأذنه زوجته في فعل بعض النّوافل من العبادات فإذا لم يأذن لها، ولم تطعه، كان له منعها، فإذا شرعت المرأة في الحجّ تطوّعاً، بدون إذن زوجها، فللزّوج أن يحلّلها، وعليها القضاء‏.‏

وكذا إذا شرعت في صيام نفل بدون إذنه، له أن يفطّرها، لخبر الصّحيحين‏:‏ » لا يحلّ للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلاّ بإذنه «‏.‏

شُرُوق

انظر‏:‏ طلوع

شطرنج

انظر‏:‏ لعب

شَعَائر

التّعريف

1 - الشّعائر‏:‏ جمع شعيرة‏:‏ وهي العلامة‏:‏ مأخوذ من الإشعار الّذي هو الإعلام، ومنه شعار الحرب وهو ما يسم العساكر علامةً ينصبونها ليعرف الرّجل رفقته‏.‏

وإذا أضيفت شعائر إلى اللّه تعالى فهي‏:‏ أعلام دينه الّتي شرعها اللّه فكلّ شيء كان علماً من أعلام طاعته فهو من شعائر اللّه‏.‏

والاصطلاح الشّرعيّ في شعائر اللّه لا يخرج عن المعنى اللّغويّ‏.‏

فكلّ ما كان من أعلام دين اللّه وطاعته تعالى فهو من شعائر اللّه، فالصّلاة، والصّوم والزّكاة والحجّ ومناسكه ومواقيته، وإقامة الجماعة والجمعة في مجاميع المسلمين في البلدان والقرى من شعائر اللّه، ومن أعلام طاعته‏.‏ والأذان وإقامة المساجد والدّفاع عن بيضة المسلمين بالجهاد في سبيل اللّه من شعائر اللّه‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ‏}‏‏.‏ والآية بعد الأمر بالصّلاة، والزّكاة في أكثر من آية من السّورة وبعد ذكر الصّبر والقتل في سبيل اللّه - وهو الجهاد لإقامة دين اللّه - تفيد أنّ السّعي بين الصّفا والمروة من جملة شعائر اللّه، أي أعلام دينه‏.‏

وكذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ‏}‏‏.‏

وكذلك المراد في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ‏}‏، أي معالم دين اللّه، وطاعته‏.‏ وتعظيمها‏:‏ أداؤها على الوجه المطلوب شرعاً‏.‏

وقيل‏:‏ المراد منها العبادات المتعلّقة بأعمال النّسك، ومواضعها، وزمنها‏.‏

وقيل‏:‏ المراد منها الهدي خاصّةً‏.‏ وتعظيمها‏:‏ استسمانها‏.‏ قاله ابن عبّاس‏.‏ والإشعار عليها‏:‏ جعل علامة على سنامها، بأن يعلّم بالمدية ليعرف أنّها هدي فيكون ذلك علماً على إحرام صاحبها وعلى أنّه قد جعلها هدياً لبيت اللّه الحرام فلا يتعرّض لها‏.‏

قال تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ‏}‏‏.‏

الحكم التّكليفيّ

2 - يجب على المسلمين إقامة شعائر الإسلام الظّاهرة، وإظهارها، فرضاً كانت الشّعيرة أم غير فرض‏.‏

وعلى هذا إن اتّفق أهل محلّة أو بلد أو قرية من المسلمين على ترك شعيرة من شعائر الإسلام الظّاهرة قوتلوا، فرضاً كانت الشّعيرة أو سنّةً مؤكّدةً، كالجماعة في الصّلاة المفروضة والأذان لها‏.‏ وصلاة العيدين وغير ذلك من شعائر الإسلام الظّاهرة‏.‏

لأنّ ترك شعائر اللّه يدلّ على التّهاون في طاعة اللّه، واتّباع أوامره‏.‏

هذا ومن شعائر الإسلام مناسك الحجّ كالإحرام والطّواف والسّعي والوقوف بعرفة والمزدلفة ومنىً وذبح الهدي وغير ذلك من أعمال الحجّ الظّاهرة، ومن الشّعائر في غير الحجّ‏:‏ الأذان، والإقامة، وصلاة الجماعة، والجمعة والعيدين، والجهاد وغير ذلك‏.‏

وتنظر أحكام كلّ منها في مصطلحه من الموسوعة‏.‏

شِعَار

التّعريف

1 - الشّعار من الثّياب هو ما ولي جسد الإنسان دون ما سواه من الثّياب‏.‏ سمّي بذلك لمماسّته الشّعر‏.‏

وفي الحديث أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ » الأنصار شعار والنّاس دثار «‏.‏ يصفهم بالمودّة والقرب‏.‏

والشّعار أيضاً ما يشعر الإنسان به نفسه في الحرب، وشعار العساكر، أن يسموا لها علامةً ينصبونها ليعرف الرّجل بها رفقته، والشّعار أيضاً علامة القوم في الحرب وهو ما ينادون به ليعرف بعضهم بعضاً، وفي الحديث‏:‏ » أنّ شعار رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أمت أمت «‏.‏ وأشعر القوم‏:‏ نادوا بشعارهم‏.‏ والشّعار العلامة قال الأصمعيّ‏:‏ ولا أرى مشاعر الحجّ إلاّ من هذا لأنّها علامات له‏.‏

والشّعار عند الفقهاء العلامة الظّاهرة المميّزة‏.‏ والشّعار من الثّياب هو ما يلي شعر الجسد ويكون تحت الدّثار‏.‏ فالدّثار لا يلاقي الجسد والشّعار بخلافه‏.‏

الحكم الإجماليّ

أ - التّشبّه بشعار الكفّار‏:‏

2 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ التّشبّه بغير المسلمين في اللّباس الّذي يميّزهم عن المسلمين كالزّنّار ونحوه، والّذي هو شعار لهم يتميّزون عن المسلمين، يحكم بكفر فاعله ظاهراً إن فعله في بلاد الإسلام، وكان فعله على سبيل الميل إلى الكفّار، أي‏:‏ في أحكام الدّنيا، إلاّ إذا كان الفعل لضرورة الحرّ أو البرد أو الخديعة في الحرب أو الإكراه من العدوّ‏.‏

فلوعلم بعد ذلك أنّه لبسه لا لاعتقاد حقيقة الكفر لم يحكم بكفره فيما بينه وبين اللّه تعالى، وذلك لما روى ابن عمر، قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ » من تشبّه بقوم فهو منهم «‏.‏ ولأنّ اللّباس الخاصّ بالكفّار علامة الكفر، والاستدلال بالعلامة والحكم بما دلّت عليه مقرّر في الشّرع والعقل‏.‏

ولمزيد من التّفصيل ‏(‏ر‏:‏ تشبّه، ف 4 وألبسة‏)‏‏.‏

ب - لباس ما يكون شعاراً للشّهرة‏:‏

3 - وهو اللّباس المخالف للعادة عند أهل البلدة بحيث يشتهر لابسه عند النّاس ويشيرون إليه‏.‏ وهذا مكروه شرعاً، لحديث ابن عمر قال، قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ » من لبس ثوب شهرة في الدّنيا، ألبسه اللّه ثوب مذلّة يوم القيامة، ثمّ ألهب فيه ناراً «‏.‏

ولكونه سبباً إلى حمل النّاس على الغيبة‏.‏

وللتّفصيل ‏(‏ر‏:‏ ألبسة‏.‏ ف 16، 6 /136‏)‏‏.‏

ج - استعمال آلة من شعار شربة الخمر‏:‏

4 - اختلف أهل العلم في المعازف، والمعتمد عند أكثرهم أنّه يحرم استعمال آلة من شعار الشّربة كطنبور وعود، وجدك وصنج ومزمار عراقيّ وسائر أنواع الأوتار والمزامير، لأنّ اللّذّة الحاصلة منها تدعو إلى فساد كشرب الخمر لا سيّما من قرب عهده بها، ولأنّها شعار الفسقة والتّشبّه بهم حرام، وخرج من سمعها بغير قصد‏.‏

‏(‏و ر‏:‏ سماع، ملاهي‏)‏‏.‏

شَعْر وصُوف ووَبَر

التّعريف

1 - الشّعر لغةً‏:‏ نبتة الجسم ممّا ليس بصوف ولا وبر للإنسان وغيره، وفي المعجم الوسيط الشّعر زوائد خيطيّة تظهر على جلد الإنسان وغيره من الثّدييّات ويقابله الرّيش في الطّيور والخراشيف في الزّواحف، والقشور في الأسماك، وجمعه أشعار وشعور‏.‏

ويقال‏:‏ رجل أشعر وشعر وشعرانيّ إذا كان كثير شعر الرّأس والجسد‏.‏

والصّوف ما يكون للضّأن وما أشبهه أخصّ منه، والصّوف للضّأن، كالشّعر للمعز، والوبر للإبل‏.‏

والوبر ما ينبت على جلود الإبل والأرانب ونحوها، والجمع أوبار، ويقال جمل وبر وأوبر إذا كان كثير الوبر، والنّاقة وبرة ووبراء‏.‏

والرّيش ما يكون على أجسام الطّيور وأجنحتها‏.‏ وقد يخصّ الجناح من بين سائره‏.‏

والفرو‏:‏ جلود بعض الحيوان كالدّببة والثّعالب تدبغ ويتّخذ منها ملابس للدّفء وللزّينة وجمعه فراء‏.‏

حكم شعر الإنسان

2 - شعر الإنسان طاهر حيّاً أو ميّتاً، سواء أكان الشّعر متّصلاً أم منفصلاً، واستدلّوا لطهارته بأنّ‏:‏» النّبيّ صلى الله عليه وسلم ناول أبا طلحة شعره فقسمه بين النّاس «‏.‏

واتّفق الفقهاء على عدم جواز الانتفاع بشعر الآدميّ بيعاً واستعمالاً، لأنّ الآدميّ مكرّم لقوله سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ‏}‏‏.‏

فلا يجوز أن يكون شيء من أجزائه مهاناً مبتذلاً‏.‏

شعر الحيوان الميّت

3 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة إلى طهارة شعر الميتة إذا كانت طاهرةً حال الحياة‏.‏ وانفرد المالكيّة بالقول بطهارة شعر الخنزير لأنّه طاهر حال الحياة، وهذا إذا جزّ جزّاً ولم ينتف‏.‏ فإن نتف فإنّ أصوله نجسة، وأعلاه طاهر‏.‏

واستدلّوا بقوله سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ‏}‏‏.‏ والآية سيقت للامتنان، فالظّاهر شمولها الموت والحياة‏.‏

وبحديث ميمونة - رضي الله عنها -‏:‏ » أنّ الرّسول صلى الله عليه وسلم قال في شاة ميمونة حين مرّ بها‏:‏ إنّما حرم أكلها «‏.‏ وفي لفظ‏:‏ » إنّما حرم عليكم لحمها ورخّص لكم في مسكها « أي جلدها‏.‏

واستدلّوا من المعقول بأنّ المعهود في الميتة حال الحياة الطّهارة، وإنّما يؤثّر الموت النّجاسة فيما تحلّه الحياة، والشّعور لا تحلّها الحياة‏.‏ فلا يحلّها الموت، وإذا لم يحلّها وجب الحكم ببقاء الوصف الشّرعيّ المعهود لعدم المزيل‏.‏

فالأصل في طهارة شعر الميتة أنّ ما لا تحلّه الحياة - لأنّه لا يحسّ ولا يتألّم - لا تلحقه النّجاسة بالموت‏.‏

وذهب الشّافعيّة إلى نجاسة شعر الميتة إلاّ ما يطهر جلده بالدّباغ ودبغ، وكذلك الشّعر المنفصل من الحيوان غير المأكول وهو حيّ‏.‏

واستدلّوا لذلك بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ‏}‏‏.‏ وهو عامّ في الشّعر وغيره‏.‏ والميتة اسم لما فارقته الرّوح بجميع أجزائه بدون تذكية شرعيّة، وهذه الآية خاصّة في تحريم الميتة وعامّة في الشّعر وغيره، وهي راجحة في دلالتها على الآية الأولى وهو قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ‏}‏‏.‏ لأنّ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ‏}‏ ورد لبيان المحرّمات والآية الأولى وردت للامتنان‏.‏

واستدلّوا من المعقول بأنّ كلّ حيوان ينجس بالموت ينجس شعره وصوفه‏.‏

شعر الميت

أوّلاً‏:‏ شعر رأس الرّجل الميت

4 - ذهب الحنفيّة والحنابلة إلى عدم جواز حلق شعر رأس الميت ولا تسريحه، لأنّ حلق الشّعر يكون للزّينة أو للنّسك والميت لا نسك عليه ولا يزيّن‏.‏

وعن عائشة - رضي الله عنها - أنّها مرّت بقوم يسرّحون شعر ميت فنهتهم عن ذلك وقالت‏:‏ علام تنصّون ميّتكم‏.‏ أي‏:‏ لا تسرّحوا رأسه بالمشط، لأنّه يقطع الشّعر وينتفه، وعبّرت بتنصّون وهو الأخذ بالنّاصية، أي منها، تنفيراً عنه ويدلّ لعدم الجواز القياس على الختان حيث يختن الحيّ ولا يختن الميّت‏.‏

وذهب الشّافعيّة في المختار والمالكيّة إلى جواز حلق شعر رأس الميت مع الكراهة وقيّد الشّافعيّة في المشهور عندهم الجواز بما إذا كان من عادة الميّت حلقه أمّا إذا كان لا يعتاد ذلك بأن كان ذا جمّة فلا يحلق بلا خلاف عندهم، واستدلّوا لما ذهبوا إليه بأنّ الشّعر من أجزاء الميّت، وأجزاؤه محترمة، فلا تنتهك بهذا، ولم يصحّ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم والصّحابة في هذا شيء فكره فعله‏.‏

وللشّافعيّة قولان آخران‏:‏

الأوّل‏:‏ أنّه لا يكره ولا يستحبّ، والثّاني‏:‏ أنّه يستحبّ، وفي اللّحية والشّارب تفصيل ينظر في ‏(‏شارب، ولحية‏)‏‏.‏

ثانياً‏:‏ شعر رأس المرأة الميّتة

5 - اتّفق جمهور الفقهاء على استحباب ضفر شعر المرأة ثلاث ضفائر، قرنيها وناصيتها، ويسدل خلفها عند الجمهور، وعند الحنفيّة يجعل على صدرها ويجعل ضفيرتين فوق القميص تحت اللّفافة، لأنّه في حال حياتها يجعل وراء ظهرها للزّينة، وبعد الموت ربّما انتشر الكفن، فيجعل على صدرها‏.‏

ودليل استحباب ضفر شعر المرأة ما روت أمّ عطيّة - رضي الله عنها - » أنّهنّ جعلن رأس بنت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ثلاثة قرون، نقضنه ثمّ غسلنه ثمّ جعلنه ثلاثة قرون «، وورد في رواية أخرى‏:‏ » أنّهنّ ألقينها خلفها «‏.‏

والأصل أن لا يفعل في الميّت شيء من جنس القرب إلاّ بإذن من الشّرع محقّق، فالظّاهر إطلاع النّبيّ صلى الله عليه وسلم على ما فعلت وتقريره له‏.‏

وجاء في رواية‏:‏ » اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو أكثر من ذلك «‏.‏

ثالثاً‏:‏ شعر سائر البدن من الميّت كاللّحية والشّارب وشعر الإبط والعانة

6 - ذهب المالكيّة والشّافعيّة في المختار إلى كراهة حلق غير ما يحرم حلقه حال الحياة‏.‏ وللشّافعيّة قولان آخران‏:‏

الأوّل‏:‏ أنّه لا يكره ولا يستحبّ، والثّاني‏:‏ أنّه يستحبّ‏.‏ ودليل الكراهة ما تقدّم في كراهة حلق شعر الرّأس‏.‏

وذهب المالكيّة والحنابلة والشّافعيّة في قول إلى أنّ هذه الشّعور إذا أزيلت أنّها تصرّ وتضمّ مع الميّت في كفنه ويدفن‏.‏

وللشّافعيّة في قول آخر‏:‏ أنّ المستحبّ أن لا تدفن معه بل توارى في الأرض في غير القبر‏.‏ وذهب الحنابلة إلى تحريم حلق اللّحية وكذا تحريم حلق شعر العانة من الميّت لما فيه من لمس العورة وربّما احتاج إلى نظرها، والنّظر محرّم فلا يرتكب من أجل مندوب، ويسنّ أخذ شعر الإبط وقصّ الشّارب‏.‏

مسح الشّعر في الوضوء

7 - ذهب المالكيّة والحنابلة إلى وجوب مسح جميع شعر الرّأس في الوضوء وحده من منابت الشّعر المعتاد من المقدّم إلى نقرة القفا مع مسح شعر صدغيه فما فوق العظم النّاشئ من الوجه‏.‏ وذهب الشّافعيّة إلى أنّ الواجب أن يمسح ما يقع عليه اسم المسح ولو قلّ فلا يتقدّر وجوبه بشيء بل يكفي فيه ما يمكن‏.‏

وذهب الحنفيّة إلى أنّ المفروض في المسح هو مسح مقدار النّاصية وهو ربع الرّأس لما روى المغيرة بن شعبة‏:‏ » أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم توضّأ ومسح على ناصيته وخفّيه «‏.‏ وتفصيل ذلك وبيان الأدلّة ينظر في مصطلح ‏(‏وضوء‏)‏‏.‏

نقض الوضوء بلمس الشّعر

8 - ذهب الشّافعيّة في الأصحّ والحنابلة إلى أنّ الوضوء لا ينقض بلمس الشّعر، لأنّه لا يقصد ذلك للشّهوة غالباً، وإنّما تحصل اللّذّة وتثور الشّهوة عند التقاء البشرتين للإحساس‏.‏

ويستحبّ أن يتوضّأ من لمس الشّعر والسّنّ والظّفر وفي قول عند الشّافعيّة مقابل الأصحّ‏:‏ ينتقض وضوء الرّجل بلمس شعر المرأة لأنّ الشّعر له حكم البدن في الحلّ بالنّكاح ووجوب غسله بالجنابة‏.‏

وذهب المالكيّة إلى أنّ الوضوء ينتقض بلمس الشّعر لمن يلتذّ به إن قصد اللّذّة من ذكر أو أنثى‏.‏ ولا ينتقض الوضوء إذا كان اللّمس بحائل خفيف أو كثيف‏.‏

وذهب الحنفيّة إلى عدم نقص الوضوء بلمس الشّعر بناءً على أصلهم في عدم النّقض بالمسّ مطلقاً ما لم ينزل‏.‏

غسل شعر الرّأس من الجناية

9 - اتّفق الفقهاء على وجوب تعميم شعر الرّأس بالماء ظاهره وباطنه للذّكر والأنثى مسترسلاً كان أو غيره‏.‏

لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ » إنّ تحت كلّ شعرة جنابةً فاغسلوا الشّعر وأنقوا البشر «‏.‏

وعن عليّ - رضي الله عنه - عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ » من ترك موضع شعرة من جنابة لم يغسلها فعل به كذا وكذا من النّار « قال عليّ‏:‏ فمن ثمّ عاديت رأسي، وكان يجزّ شعره‏.‏

واختلف الفقهاء في حكم نقض ضفائر المرأة في الغسل‏:‏

فذهب الجمهور - الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة - وهو قول بعض الحنابلة‏:‏ إلى أنّه لا يجب على المرأة نقض الضّفر إن كان الماء يصل إلى أصول شعرها من غير نقض، فإن لم يصل إلاّ بالنّقض لزمها نقضه، وسواء في ذلك غسل الجنابة وغسل الحيض والنّفاس‏.‏

واستدلّوا بما جاء في بعض ألفاظ حديث أمّ سلمة أنّها قالت للنّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ إنّي امرأة أشدّ ضفر رأسي، أفأنقضه للحيض وللجنابة‏؟‏ قال‏:‏ » لا‏.‏ إنّما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثمّ تفيضين عليك الماء فتطهرين «‏.‏

وهو صريح في نفي الوجوب وقد أخرج مسلم في صحيحه حديث أمّ سلمة - بثلاثة ألفاظ‏:‏ إفراد ذكر الجنابة وإفراد ذكر الحيض، والجمع بينهما‏.‏

وحمل الجمهور هذه الأحاديث على وصول الماء إلى أصول الشّعر بدليل ما ثبت من وجوب إيصال الماء إلى أصول الشّعر والبشرة جمعاً بين الأدلّة‏.‏

وذهب الحنابلة إلى وجوب نقض المرأة شعرها في غسل الحيض والنّفاس‏.‏ ولا يجب في غسل الجنابة إذا روت أصول شعرها، ولم يكن مشدوداً بخيوط كثيرة تمنع وصول الماء إلى البشرة أو إلى باطن الشّعر، والنّقض مطلقاً مستحبّ عن بعض الحنابلة‏.‏

واستدلّ الحنابلة بحديث عائشة رضي الله عنها أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال لها‏:‏ » إذا كنت حائضاً خذي ماءك وسدرك وامتشطي «‏.‏ ولا يكون المشط إلاّ في شعر غير مضفور‏.‏ وللبخاريّ‏:‏ » انفضي شعرك وامتشطي «‏.‏

وعند ابن ماجه‏:‏ » انفضي شعرك واغتسلي « لأنّ الأصل وجوب نقض الشّعر لتحقّق وصول الماء إلى ما يجب غسله وعفي عنه في غسل الجنابة لأنّه يكثر فيشقّ نقض الشّعر‏.‏

حلق شعر المولود

10 - ذهب الجمهور - المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة - إلى استحباب حلق شعر رأس المولود يوم السّابع، والتّصدّق بزنة شعره ذهباً أو فضّةً عند المالكيّة والشّافعيّة، وفضّةً عند الحنابلة‏.‏ وإن لم يحلق تحرّى وتصدّق به‏.‏ ويكون الحلق بعد ذبح العقيقة‏.‏

كما ورد‏:‏ » أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة لمّا ولدت الحسن‏:‏ احلقي رأسه وتصدّقي بزنة شعره فضّةً على المساكين والأوفاض «‏.‏

وذهب الحنفيّة إلى أنّ حلق شعر المولود مباح، ليس بسنّة ولا واجب، وذلك على أصلهم في أنّ العقيقة مباحة، لأنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم سئل عن العقيقة فقال‏:‏ » لا يحبّ اللّه العقوق‏.‏ من أحبّ أن ينسك عن ولده فلينسك عنه عن الغلام شاتين مكافأتاه وعن الجارية شاةً « وهذا ينفي كون العقيقة سنّةً لأنّه صلى الله عليه وسلم علّق العقّ بالمشيئة وهذا أمارة الإباحة‏.‏ وفي قول للحنفيّة أنّها مكروهة لأنّها نسخت بالأضحيّة، لأنّ العقيقة كانت من الفضائل فعلها المسلمون في أوّل الإسلام فنسخت بالأضحيّة، فمتى نسخ الفضل لا يبقى إلاّ الكراهة‏.‏

النّظر إلى شعر المرأة الأجنبيّة

11 - اتّفق الفقهاء على عدم جواز النّظر إلى شعر المرأة الأجنبيّة، كما لا يجوز لها إبداؤه للأجانب عنها‏.‏

وذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى القول بعدم جواز النّظر إليه وإن كان منفصلاً‏.‏

بيع الشّعر والصّوف

12 - ذهب الجمهور - الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة - إلى عدم جواز بيع الصّوف على ظهر الغنم، لحديث ابن عبّاس - رضي الله عنهما -‏:‏ » نهي أن تباع ثمرة حتّى تطعم ولا صوف على ظهر ولا لبن في ضرع «‏.‏

ولأنّ الصّوف متّصل بالحيوان فلم يجز إفراده بالبيع كأعضائه، ولأنّ الصّوف على الظّهر قبل الجزّ ليس بمال متقوّم في نفسه لأنّه بمنزلة وصف الحيوان لقيامه به كسائر أوصافه‏.‏ وهو غير مقصود من الشّاة فلا يفرد بالبيع، ولأنّه ينبت من أسفل ساعةً فساعةً فيختلط المبيع بغيره بحيث يتعذّر التّمييز‏.‏

وذهب المالكيّة إلى جواز بيع الصّوف على ظهر الغنم بالجزز تحرّياً، وبالوزن مع رؤية الغنم على أن لا يتأخّر الجزّ أكثر من نصف شهر‏.‏

السّلم في الصّوف

13 - ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى جواز بيع الصّوف سلماً بالوزن لا بالجزز وذلك لاختلاف الجزز بالصّغر والكبر - عند المالكيّة - ويجب بيان نوع الصّوف وأصله من ذكر أو أنثى لأنّ صوف الإناث أنعم، ويذكر لونه ووقته هل هو خريفيّ أو ربيعيّ، وطوله وقصره ووزنه ولا يقبل إلاّ منقّىً من الشّعر ونحوه، كالشّوك ويجوز اشتراط غسله‏.‏

وصل الشّعر

14 - يحرم وصل شعر المرأة بشعر نجس أو بشعر آدميّ‏.‏ سواء في ذلك المزوّجة وغيرها وسواء بإذن الزّوج أو بغير إذنه‏.‏ وللحنفيّة قول بالكراهة‏.‏

وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ » لعن اللّه الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة «‏.‏ واللّعنة على الشّيء تدلّ على تحريمه، وعلّة التّحريم ما فيه من التّدليس والتّلبيس بتغيّر خلق اللّه‏.‏

والواصلة الّتي تصل شعرها بشعر من امرأة أخرى والّتي يوصل شعرها بشعر آخر زوراً، والمستوصلة الّتي يوصل لها ذلك بطلبها‏.‏ لحرمة الانتفاع بشعر الآدميّ لكرامته، والأصل أن يدفن شعره إذا انفصل‏.‏

أمّا إذا كان الوصل بغير شعر الآدميّ وهو طاهر‏:‏

فذهب الشّافعيّة على الصّحيح إلى حرمة الوصل إن لم تكن ذات زوج وعلى القول الثّاني يكره‏.‏ أمّا إن كانت ذات زوج فثلاثة أوجه‏:‏

أصحّها‏:‏ إن وصلت بإذنه جاز وإلاّ حرم‏.‏

الثّاني‏:‏ يحرم مطلقاً‏.‏

الثّالث‏:‏ لا يحرم ولا يكره مطلقاً‏.‏

وذهب الحنفيّة وهو المنقول عن أبي يوسف إلى أنّه يرخّص للمرأة في غير شعر الآدميّ تتّخذه لتزيد قرونها‏.‏

واستدلّوا بما روي عن عائشة رضي الله عنها أنّها قالت‏:‏ ليست الواصلة بالّتي تعنون، ولا بأس أن تعرى المرأة عن الشّعر فتصل قرناً من قرونها بصوف أسود وإنّما الواصلة الّتي تكون بغيّاً في شبيبتها فإذا أسنّت وصلتها بالقيادة‏.‏

وذهب المالكيّة إلى عدم التّفريق في التّحريم بين الوصل بالشّعر وبغيره‏.‏

ويرى الحنابلة تحريم وصل الشّعر بشعر سواء كان شعر آدميّ أو شعر غيره‏.‏ وسواء كان بإذن الزّوج أو من غير إذنه‏.‏ قالوا ولا بأس بما تشدّ به المرأة شعرها أي من غير الشّعر للحاجة، وفي رواية‏:‏ لا تصل المرأة برأسها الشّعر ولا القرامل ولا الصّوف‏.‏

عقص الشّعر

15 - اتّفق الفقهاء على كراهة عقص الشّعر في الصّلاة‏.‏

والعقص هو شدّ ضفيرة الشّعر حول الرّأس كما تفعله النّساء أو يجمع الشّعر فيعقد في مؤخّرة الرّأس‏.‏

وهو مكروه كراهة تنزيه‏.‏ فلو صلّى كذلك فصلاته صحيحة، حكى ابن المنذر وجوب الإعادة فيه عن الحسن البصريّ‏.‏

ودليل الكراهة ما رواه مسلم من حديث ابن عبّاس رضي الله عنه أنّه رأى عبد اللّه بن الحارث يصلّي ورأسه معقوص من ورائه فقام وجعل يحلّه، فلمّا انصرف أقبل إلى ابن عبّاس فقال‏:‏ مالك ورأسي‏؟‏ فقال‏:‏ إنّي سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ » إنّما مثل هذا مثل الّذي يصلّي وهو مكتوف « وفي حديث آخر‏:‏ » ذاك كفل الشّيطان «‏.‏

ولقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ » أمرت أن أسجد على سبعة أعظم‏.‏‏.‏ ولا نكفت الثّياب والشّعر «‏.‏ والحكمة في النّهي عنه، أنّ الشّعر يسجد مع المصلّي ولهذا مثّله في الحديث بالّذي يصلّي وهو مكتوف‏.‏

والجمهور على أنّ النّهي شامل لكلّ من صلّى كذلك، سواء تعمّده للصّلاة أم كان كذلك قبل الصّلاة وفعلها لمعنىً آخر وصلّى على حاله بغير ضرورة‏.‏

ويدلّ له إطلاق الأحاديث الصّحيحة وهو ظاهر المنقول عن الصّحابة، وقال مالك‏:‏ النّهي مختصّ بمن فعل ذلك للصّلاة‏.‏

وينظر بقيّة الأحكام المتعلّقة بالشّعر في المصطلحات الآتية‏:‏ ‏(‏إحرام، وترجيل، وتنمّص، وإحداد، واختضاب، وتسويد، حلق، وديات‏)‏‏.‏

العناية بشعر الإنسان الحيّ

16 - يستحبّ ترجيل الشّعر لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه مرفوعاً‏:‏ » من كان له شعر فليكرمه «‏.‏

ولأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يحبّ التّرجيل فقد روت عائشة رضي الله عنها‏:‏ » أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يصغي إليّ رأسه وهو مجاور في المسجد فأرجّله وأنا حائض «‏.‏ ويستحبّ التّيامن في التّرجيل، ويسنّ الإغباب فيه، والإكثار منه مكروه‏.‏

كما يستحبّ دهن الشّعر غبّاً وهو أن يدهن ثمّ يترك حتّى يجفّ الدّهن ثمّ يدهن ثانياً، وقيل يدهن يوماً ويوماً لا‏.‏

وللتّفصيل انظر مصطلحات‏:‏ ‏(‏إدهان، وامتشاط، وترجيل‏)‏‏.‏

حكم شعر الحيوان الحيّ

17 - شعر الحيوان الحيّ إمّا أن يكون من مأكول اللّحم أو غير مأكول اللّحم، وفي كلّ حالة إمّا أن يكون متّصلاً به أو منفصلاً عنه‏.‏

18 - أمّا شعر الحيوان المأكول اللّحم المتّصل به إذا أخذ منه وهو حيّ فقد اتّفق الفقهاء على طهارته، ومثله الصّوف والوبر لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ‏}‏ والآية سيقت للامتنان وهي عامّة في المتّصل والمنفصل ويأتي الخلاف في شمولها بشعر الحيوان الميّت‏.‏

وأجمعت الأمّة على طهارة شعر الحيوان المأكول اللّحم إذا جزّ منه وهو حيّ لمسيس الحاجة إليه في الملابس والمفارش لأنّه ليس في شعر المذكّيات كفاية لحاجة النّاس‏.‏

أمّا شعر الحيوان المأكول اللّحم المنفصل عنه في الحياة‏:‏

فذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى طهارته إذا جزّ جزّاً‏.‏ أمّا إذا نتف فأصوله الّتي فيها الدّسومة نجسة، والأصل عندهم أنّ ما أبين من حيّ فهو ميّت إلاّ إذا كان لا تحلّه الحياة كالشّعر والصّوف والوبر فهو طاهر‏.‏

واشترط المالكيّة أن يجزّ جزّاً بخلاف ما نتف نتفاً فإنّ أصوله تكون نجسةً‏.‏

وذهب الشّافعيّة إلى طهارته إذا جزّ واستدلّوا بالآية والإجماع المتقدّمين‏.‏

قال إمام الحرمين وغيره‏:‏ وكان القياس نجاسته كسائر أجزاء الحيوان المنفصلة في الحياة ولكن أجمعت الأمّة على طهارتها‏.‏

أمّا إذا انفصل شعر الحيوان المأكول اللّحم في حياته بنفسه أو نتف ففيه أوجه‏:‏

الصّحيح منها أنّه طاهر لأنّه في معنى الجزّ، وإن كان مكروهاً، والجزّ في الشّعر كالذّبح، في الحيوان ولو ذبح الحيوان لم ينجس، فكذلك إذا جزّ شعره‏.‏

والثّاني‏:‏ إنّه نجس سواء انفصل بنفسه أو بنتف لأنّ ما أبين من حيّ فهو ميّت‏.‏

ودليل هذه القاعدة‏:‏ حديث أبي واقد اللّيثيّ رضي الله عنه قال‏:‏ قدم النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ المدينة وهم يجبّون أسنمة الإبل ويقطعون أليات الغنم، فقال‏:‏ » ما قطع من البهيمة وهي حيّة فهو ميتة «‏.‏

غير أنّ الشّافعيّة استثنوا الشّعر للإجماع على طهارته لحاجة النّاس إليه وقصر الحنفيّة والمالكيّة الحديث على ما تحلّه الحياة ولذا استثنوا الشّعر‏.‏

وعند الحنابلة على المذهب أنّ شعر كلّ حيوان كبقيّة أجزائه ما كان طاهراً فشعره طاهر، وما كان نجساً فشعره نجس، لا فرق بين حالة الحياة وحالة الموت‏.‏

وفي رواية أنّه نجس، وفي أخرى طاهر‏.‏

19 - أمّا شعر الحيوان غير مأكول اللّحم المتّصل به فاتّفق الفقهاء على طهارته، واستثنى الحنفيّة الخنزير واستثنى الشّافعيّة والحنابلة الخنزير والكلب لأنّ عينهما نجسة‏.‏

أمّا المالكيّة فذهبوا إلى طهارة الكلب والخنزير لأنّ الأصل عندهم أنّ كلّ حيّ طاهر‏.‏

أمّا شعر المنفصل عنه، فعند الحنفيّة والمالكيّة هو طاهر بناءً على ما تقدّم من أنّ ما أبين من حيّ فهو ميّت، إلاّ ما لا تحلّه الحياة كالشّعر‏.‏ ويستثنى من ذلك ما كان نجس العين كالخنزير عند الحنفيّة‏.‏

أمّا المالكيّة فهو طاهر عندهم إذا جزّ، لا إذا نتف‏.‏

ينظر في تفصيل أحكام شعر الخنزير مصطلح‏:‏ ‏(‏خنزير ف 7‏)‏‏.‏

وذهب الشّافعيّة إلى نجاسته لأنّ ما أبين من حيّ فهو ميّت‏.‏

وعند الحنابلة على المذهب أنّ حكمه حكم بقيّة أجزائه، فما كان طاهراً فشعره طاهر وما كان نجساً فشعره نجس‏.‏

وفي رواية عن أحمد اختارها ابن تيميّة أنّ شعر الكلب والخنزير وما تولّد منهما طاهر‏.‏